بقلم : يوسف وفقير
من المنتظر أن يصوت مجلس الأمن الدولي، غدا الجمعة، على مشروع القرار الأميركي المتعلق بالصحراء المغربية، بعدما تأجلت الجلسة التي كانت مقررة اليوم الخميس بسبب اجتماع طارئ خصص للوضع في السودان. ويأتي هذا التصويت في سياق دبلوماسي خاص، حيث تتقاطع فيه موازين القوى الدولية مع رصيد المغرب المتنامي في كسب ثقة العواصم المؤثرة داخل المجلس.
خلافا لما كان عليه الحال في سنوات مضت، لا يبدو أن الرباط تترقب هذا التصويت بقلق أو توتر. فالمزاج العام داخل المغرب يسوده قدر كبير من الاطمئنان والثقة في الدبلوماسية الوطنية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس، والتي أثبتت في كل المحطات أنها تراكم الانتصارات بصمت وتعيد صياغة الخطاب الأممي بلغة مغربية واقعية. فما كان يسمى يوما "ملف الصحراء" بات اليوم نموذجا يُدرس في مدرسة الدبلوماسية الذكية التي تمزج بين الحزم والحكمة.
التحولات داخل أروقة الأمم المتحدة نفسها تؤكد هذا المنحى. فخطاب "الاستفتاء" و"تقرير المصير" الذي كان يُردد لسنوات فقد بريقه، وحلت مكانه صيغة "الحل السياسي الواقعي والدائم والمتوافق عليه"، وهي الصيغة التي ترعاها قرارات مجلس الأمن المتعاقبة منذ أكثر من عقد، والتي تعتبر ثمرة الجهد المغربي المستمر في إقناع المجتمع الدولي بأن مبادرة الحكم الذاتي ليست مجرد مقترح، بل مشروع استقرار إقليمي كامل.
الولايات المتحدة، بصفتها صاحبة القلم في هذا الملف، دفعت خلال الأسابيع الأخيرة بمشروع قرار جديد يجسد هذا التوجه. المشروع الأميركي يشدد على الحل الواقعي في إطار السيادة المغربية، مع المحافظة على التوازن اللغوي التقليدي الذي يتيح للأطراف المتحفظة التماهي معه دون إحراج. ورغم ذلك، فإن المضمون واضح: واشنطن ماضية في تثبيت خيار الحكم الذاتي كخيار أممي، بينما ما تزال الجزائر وجبهة البوليساريو تراوحان مكانهما في لغة الماضي، متمسكتين بخطاب فقد صداه داخل المجلس وخارجه.
و على مستوى المواقف، فالمشهد لا يحمل مفاجآت كبيرة. ففرنسا والمملكة المتحدة ومعظم الأعضاء غير الدائمين يدعمون المسار الذي ترعاه الولايات المتحدة، فيما عبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قبل أيام، عن دعم بلاده للقرارات الأممية التي تدعو إلى حل سياسي واقعي ودائم وعادل للطرفين، وهي إشارة غير مباشرة إلى توافق موسكو مع المقاربة المغربية. ومن غير المرجح أن تتخذ الصين موقفا مغايرا، بالنظر إلى انسجام مواقف البلدين في الملفات ذات الطابع السيادي. هذا التطور يجعل من تمرير القرار الأميركي المرتقب مسألة شبه محسومة، خصوصا أن الجو العام في الأمم المتحدة بات ميالا إلى الحلول العملية لا إلى إعادة تدوير النقاشات العقيمة.
في المقابل، يظهر المغرب أكثر هدوءا من أي وقت مضى. فالدولة التي اعتادت الدفاع عن موقفها في ظروف معقدة لم تعد تنتظر "المفاجآت"، بل تتعامل مع قرارات مجلس الأمن كجزء من مسار دبلوماسي مستمر توجه بوصلته القيادة الملكية الرشيدة. المواطن المغربي بدوره يتابع الملف بثقة، وهو يرى في كل محطة جديدة تأكيدا إضافيا على وجاهة المقاربة التي اختارها بلده. فمن العيون إلى الداخلة، تشهد الأقاليم الجنوبية دينامية تنموية حقيقية، تجعل الحديث عن "نزاع" أقرب إلى مفارقة لغوية منه إلى واقع سياسي.
إن المغرب اليوم لا يراهن على التصويت في حد ذاته، بقدر ما يراهن على ترسيخ قناعة المجتمع الدولي بأن الحل الوحيد الواقعي هو الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. وهذه القناعة لم تعد مجرد شعار، بل حقيقة دبلوماسية تتجسد في بيانات العواصم الكبرى وتصريحات المسؤولين الأمميين. ومن هنا تأتي الثقة الهادئة التي تطبع الخطاب الرسمي والإعلامي في المغرب: ثقة في المسار، لا في اللحظة، وثقة في تراكم الإنجازات لا في عناوين القرارات.
وفي خضم هذه الأجواء، لا يسع المراقب إلا أن يسجل ذلك التحول العميق في طريقة تعاطي المغرب مع قضيته الوطنية. فبعد أن كانت المملكة ترد على المبادرات، أصبحت اليوم هي التي تصوغها وتدير إيقاعها، فيما يتوارى خصومها خلف بيانات متكررة فقدت وزنها حتى لدى حلفائها. لقد تحول الصمت المغربي إلى لغة ديبلوماسية قائمة بذاتها، تُقرأ في ملامح الثقة التي تعبر عنها المؤسسات وفي يقين الشارع بأن التاريخ يسير في الاتجاه الصحيح.
غدا، حين يصوت مجلس الأمن، لن يكون المغرب في موقع المترقب، بل في موقع المطمئن إلى عدالة قضيته وقوة تحالفاته وصلابة مشروعه الوطني. فبقيادة جلالة الملك محمد السادس، أثبتت الدبلوماسية المغربية أنها قادرة على الجمع بين الشرعية التاريخية والمشروعية الواقعية، وأنها لا تحتاج إلى ضجيج كي تقنع العالم بما هو بديهي: الصحراء مغربية، والحكم الذاتي هو المستقبل.
ذكرت مصادر دبلوماسية من نيويورك أن مجلس الأمن الدولي قرر تأجيل جلسة التصويت على مشروع القرار الأمريكي المتعلق بقضية الصحراء المغربية...
البوابة بريس - الرباطأثار تصريح كبير مستشاري الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب، مسعد بولس، حول الصحراء المغربية، موجة جديدة من...
اشترك في النشرة الإخبارية لتصلك التحديثات الجديدة يوميًا
كن أول من يعلق على هذا المقال
احصل على آخر الأخبار والتحديثات مباشرة إلى بريدك الإلكتروني