الاثنين, 18 أغسطس 2025
مادة إعلانية

الاعتداء الجنسي على الذكور في الطفولة: قراءة سوسيولوجية في تشكّل الهوية الجنسية والصمت المجتمعي

الجمعة 15 أغسطس 2025
الاعتداء الجنسي على الذكور في الطفولة: قراءة سوسيولوجية في تشكّل الهوية الجنسية والصمت المجتمعي

في المجتمعات العربية، يُنظر إلى الذكور غالبًا كرموز للقوة والسيطرة، مما يجعل الحديث عنهم كضحايا للعنف الجنسي أمرًا مستبعدًا أو حتى مرفوضًا. ومع ذلك، فإن الواقع يكشف عن قصص مؤلمة لذكور تعرضوا للتحرش أو الاعتداء الجنسي في طفولتهم، غالبًا من داخل الأسرة أو الدائرة القريبة. هذه التجارب لا تُحدث فقط جروحًا نفسية، بل تُعيد تشكيل إدراك الذات، والهوية الجنسية، والعلاقة بالجسد والمجتمع. هذا المقال يحاول تفكيك هذه الظاهرة من منظور سوسيولوجي، رابطًا بين البنية الأسرية، والسلطة، والجندر، والجنسانية.

. الأسرة كفضاء للعنف الرمزي والجسدي

رغم أن الأسرة تُقدَّم اجتماعيًا كفضاء للحماية والرعاية، إلا أنها قد تتحول إلى موقع للعنف الخفي، خاصة حين يتعلق الأمر بالاعتداء الجنسي. في غياب رقابة خارجية، تُمارَس السلطة داخل الأسرة بشكل هرمي، حيث يُستغل القرب والسرية لفرض السيطرة على الأجساد، خصوصًا أجساد الأطفال.


- الاعتداء الجنسي من الأقارب يُعبّر عن خلل في توزيع السلطة داخل الأسرة.

- يُغلف هذا العنف غالبًا بالصمت، والإنكار، أو التبرير، مما يُكرّس ثقافة الإفلات من العقاب.

 الجسد الذكوري بين الرغبة والانتهاك

في المجتمعات التي تُعلي من الذكورة التقليدية، يُنظر إلى الذكور كفاعلين جنسيين لا كضحايا. هذا التصور يُهمّش إمكانية تعرضهم للعنف الجنسي، ويجعل الاعتراف بالانتهاك أمرًا محفوفًا بالخجل والوصم.

- الطفل الذكر الذي يُنظر إليه على أنه "جميل" أو "مثير" يُختزل جسده في رمزية جنسية، مما يفتح الباب لانتهاكات تُبرَّر ضمنيًا داخل الثقافة الأسرية.

- هذا التشييء للجسد الذكوري يُعيد إنتاج تصورات منحرفة عن الجندر والجنسانية.

. الاعتداء الجنسي وتشكّل الهوية الجنسية

من منظور سوسيولوجي، الهوية الجنسية لا تُبنى فقط على أساس بيولوجي، بل تتشكل عبر مسار اجتماعي ونفسي طويل. الاعتداء الجنسي في الطفولة قد يؤدي إلى ارتباك في إدراك الذات الجنسي، خاصة إذا ارتبط بالإثارة أو الخوف أو الشعور بالذنب.

- بعض الضحايا قد يربطون بين تجربتهم الجنسية الأولى وبين ميولهم لاحقًا، رغم أن الميول الجنسية ليست نتيجة مباشرة للاعتداء.

- هذا الربط هو جزء من سردية الضحية، ويجب احترامه دون اختزاله أو تعميمه.

. الصمت المجتمعي وإعادة إنتاج الصدمة

السكوت عن الاعتداءات الجنسية ضد الذكور يُساهم في إعادة إنتاج الصدمة، ويمنع الضحايا من فهم ما حدث لهم أو طلب المساعدة. هذا الصمت يُعزز من شعور الضحية بالذنب أو "الاختلاف"، وقد يدفعه إلى تبني هوية جنسية يشعر أنها الوحيدة التي تفسر تجربته.

- غياب التربية الجنسية، ووصم الحديث عن الجسد، يُكرّس الجهل والعار.

- المؤسسات التعليمية والدينية غالبًا ما تتجاهل هذه القضايا، مما يُعمّق الأزمة.

 هل المثلية نتيجة للاعتداء؟ تفكيك التبسيط

من المهم التأكيد أن المثلية الجنسية ليست نتيجة مباشرة للاعتداء الجنسي. هذا تبسيط مخلّ يُكرّس وصمًا إضافيًا للمثليين، ويُحوّلهم إلى "ضحايا" بدلًا من الاعتراف بحقهم في تحديد هويتهم.

- علم النفس والسوسيولوجيا يؤكدان أن الهوية الجنسية تتشكل عبر تفاعلات معقدة بين العوامل البيولوجية والاجتماعية والنفسية.

- الاعتداء قد يؤثر على إدراك الضحية لذاته، لكنه لا يُحدد ميوله بشكل حتمي.

️ نحو توعية أسرية وتربية تحررية: كيف نكسر دائرة الصمت؟

في مواجهة الاعتداءات الجنسية داخل الأسرة، لا يكفي التحليل السوسيولوجي وحده؛ بل يجب أن يُرافقه مشروع تربوي وتوعوي يُعيد تعريف العلاقة بين الطفل وجسده، وبين الأسرة ومسؤوليتها الأخلاقية. التغيير يبدأ من تفكيك ثقافة الصمت، والعار، والسلطة المطلقة داخل البيت.

. توعية الأسر: من الإنكار إلى الاعتراف

- كسر الطابوهات: يجب أن تتعلم الأسر أن الحديث عن الجسد، والخصوصية، والحدود، ليس أمرًا "غير لائق"، بل ضرورة تربوية.

- التربية الجنسية المبكرة: تعليم الأطفال الفرق بين اللمس الآمن وغير الآمن، ومن له الحق في الاقتراب من جسدهم.

- إعادة تعريف السلطة الأبوية: السلطة داخل الأسرة يجب أن تُمارَس برعاية لا بقمع، وأن تُفتح مساحة للحوار لا للخوف.

️ . تربية الأطفال على البوح والثقة

- تعزيز الثقة بالنفس: الطفل الذي يشعر أن صوته مسموع، وأن مشاعره محترمة، سيكون أكثر قدرة على البوح.

- استخدام القصص والأمثلة: يمكن استخدام قصص مصورة أو حكايات تُظهر أطفالًا يتحدثون عن تجاربهم، مما يُشجع الطفل على التماهي.

- خلق فضاء آمن للحوار: تخصيص وقت دوري للحديث مع الطفل عن يومه، مشاعره، وما يُزعجه، دون إصدار أحكام.

 . دور المؤسسات التربوية والإعلامية

- إدماج التربية الجنسية في المناهج: بشكل علمي ومناسب للمرحلة العمرية، لكسر الجهل والخوف.

- إنتاج محتوى إعلامي توعوي: برامج، أفلام قصيرة، أو حملات تُخاطب الأسر بلغة بسيطة ومؤثرة.

- تدريب المعلمين والمربين: ليكونوا قادرين على اكتشاف الإشارات المبكرة للعنف، والتعامل معها بحساسية.

 نحو خطاب تحرري يعترف بالتعقيد

الحديث عن الاعتداء الجنسي على الذكور في الطفولة ليس مجرد كشف لواقع مسكوت عنه، بل هو دعوة لإعادة النظر في مفاهيم الجندر، والسلطة، والجسد، والجنسانية. من الضروري أن يُفتح المجال لخطاب يعترف بتعقيد الهوية الجنسية دون وصم أو اختزال، وأن تُبنى سياسات تربوية واجتماعية تُعزز الحماية، وتكسر الصمت، وتُعيد الاعتبار للضحايا.

مقالات ذات صلة

وسيط المملكة: الرقمنة لتعزيز خدمات القرب لمغاربة العالم
مجتمع

وسيط المملكة: الرقمنة لتعزيز خدمات القرب لمغاربة العالم

يوسف وفقير - الرباطفي بلاغ لها، أعلنت مؤسسة وسيط المملكة عن مشاركتها الفعالة في مختلف الأنشطة واللقاءات التواصلية التي نظمت...

0 تعليقات
من يفقس بيضة الأزمة؟! غلاء غامض وتحقيق غائب في سوق البيض المغربي
مجتمع

من يفقس بيضة الأزمة؟! غلاء غامض وتحقيق غائب في سوق البيض المغربي

يوسف وفقير - الرباطفي بلد يعتبر فيه البيض الرفيق الصباحي الأول للموائد الشعبية، تحوّل هذا المنتوج البسيط إلى عنوان للأزمة،...

0 تعليقات

النشرة الإخبارية

اشترك في النشرة الإخبارية لتصلك التحديثات الجديدة يوميًا

نحن نحترم خصوصيتك. لن نشارك بريدك مع أي طرف ثالث.

تعليقات الزوار (0)

لا توجد تعليقات بعد

كن أول من يعلق على هذا المقال

أضف تعليقًا

سيتم مراجعة تعليقك قبل النشر

اشترك في نشرتنا البريدية

احصل على آخر الأخبار والتحديثات مباشرة إلى بريدك الإلكتروني

جميع الحقوق محفوظة لموقع bawabapress.com © 2025
شروط الاستخدام سياسة الخصوصية تم إنشاء وإدارة الموقع بواسطة AppGeniusSARL