بقلم: يوسف وفقير
يبدو أن العدالة في توزيع الدعم العمومي للجمعيات تبدو مثل لوحة جميلة معلقة في مكاتب المسؤولين: ألوان زاهية وكلمات رنانة، وتصريحات تحلم بها الصحافة… لكن الواقع على الأرض يفضح الحبر الذي رسمت به. فالدعم يتدفق بسخاء على جمعيات الحواضر الكبرى، حيث كل شيء في متناول اليد: قاعات جاهزة تنتظرك، وعقارات مجانية أو شبه مجانية، وشركات لوجستيك لا تحتاج سوى إلى رسالة واتساب لتكون في عين المكان، حضور إعلامي مضمون، بل وحتى جيش من المصورين والمؤثرين الذين يتنافسون على تغطية الحدث… لأنك ببساطة في مدينة كبيرة، حيث السلطة والمال والبنية التحتية يمشون جنبا إلى جنب.
أما حين تنتقل إلى المدن الصغيرة أو القرى، فهنا تبدأ الملحمة الحقيقية، ويصبح الحديث عن التظاهرة الثقافية شبيها برحلة في الصحراء بلا زاد ولا ماء. الجمعية التي تحلم بمهرجان ثقافي تجد نفسها أمام لائحة من العراقيل أطول من قائمة الانتظار في المستشفى العمومي: لا وعاء عقاري مناسب، لا مسرح مجهز، لا قاعات احترافية. وإذا تجرأت على استئجار معدات بسيطة، تكتشف أن قطعة غيار كهربائية تافهة قد يؤدي البحث عنها إلى تغيير في البرنامج.
ولنقف عند بعض الفنانين، فالقصة هنا مضحكة مبكية. حين تدعوهم إلى المهرجانات في المدن الكبرى، يبتسمون، ويقبلون بأجر معقول، بل وربما ينقصون من المبلغ إكراما للأجواء، أما حين يتعلق الأمر بمدينة صغيرة أو قرية، فالابتسامة تختفي، والملف المالي ينتفخ، والحجة جاهزة: التنقل مكلف، وغياب وسائل الراحة، وكأنهم سيؤدون العرض في القطب الشمالي لا في مدينة مغربية على بعد ساعتين من العاصمة.
ثم تأتي المعدات الثقيلة والشاحنات… في المدن الكبرى، الأسعار متقاربة والخدمة مضمونة، أما إذا كنت منظما في قرية أو مدينة صغيرة، فاستعد لصدمة الفاتورة، لأن التكلفة هنا تُحتسب بمنطق المسافة + التعب + الضريبة غير المعلنة على الأطراف المهمشة، والنتيجة: مهرجان بميزانية مضاعفة لمجرد أن خريطتك الجغرافية لا تعجب مكاتب الشركات.
ولا ننسى الأمن والكهرباء. في المدن الكبرى، كل شيء يسير بسلاسة، والحواجز الأمنية توضع قبل المهرجان بأيام، والإنارة تضيء حتى الشوارع الجانبية، أما هناك في المدن الصغيرة، فالأمر مرهون بعلاقتك مع المجالس المنتخبة: إذا كنت "مرضي" و"فيك شي مرقة"، فستجد الدعم ينزل كالمطر في موسم الخير. أما إذا كنت في خانة "المغضوب عليهم"، فالمجلس المسير سيزرع لك في طريقك الشوك وسينتظر أول سقطة، ولو كانت تقنية بسيطة، لتجعل منك كبش فداء، وتعلق عليك فشل كل مشاريع التنمية في المنطقة.
المفارقة أن المهرجانات والتظاهرات الثقافية، في الأصل، ليست ملكا لأحد ولا حتى للمنظمين أنفسهم. فهذه التظاهرات موجهة للسكان وهي ملك لهم بالأساس: ملك لذاك الطفل الذي يحلم بمسرح في حيه، ولتلك السيدة التي لم تغادر قريتها قط لكنها تنتظر المهرجان كل سنة لتعيش لحظة مختلفة، وملك لتلك المدينة الصغيرة التي تريد أن تثبت أنها قادرة على الإبداع والحياة مثل غيرها. لكن طالما بقيت مقاربة الدعم العمومي رهينة جغرافيا المدن الكبيرة، فإننا سنظل أمام مشهد ثقافي أحادي اللون، تتكرر فيه الوجوه والأصوات، بينما تبقى القرى والحواضر الصغيرة مجرد هوامش في دفتر الثقافة الوطنية.
في إطار حرصها على صون الموروث الثقافي والروحي للمنطقة، تعلن جمعية مولاي علي بن اعمر أيت بن الشريف للتنمية والثقافة...
اختتمت مساء الأحد 10 غشت 2025 فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان "تمازيرت"، وسط أجواء احتفالية جمعت بين الرياضة، الثقافة، التكريم...
اشترك في النشرة الإخبارية لتصلك التحديثات الجديدة يوميًا
كن أول من يعلق على هذا المقال
احصل على آخر الأخبار والتحديثات مباشرة إلى بريدك الإلكتروني