بقلم: يوسف وفقير
يبدو أن اللحم، في هذه الأيام، لم يعد مجرد مادة غذائية تطهى على مهل فوق نار هادئة، بل تحول إلى كنز مفقود وهدف استراتيجي يتسابق عليه المواطنون وكأننا أمام حملة تحرير لثلاجات طالتها المجاعة. مشاهد الطوابير الطويلة أمام محلات الجزارة، والعيون المتفحصة لكل قطعة لحم وكأنها كنز أثري، جعلتنا نتساءل: من الذي أطلق صافرة البداية؟ ومن وعدنا بأن المعركة ستكون قصيرة وسعر الكيلو لن يتجاوز المعقول؟
الواقع أن لا أحد أعلن بداية السباق، ولا أحد وعد بالنهاية. فقط قرار إلغاء الذبيحة هذه السنة، فانهارت أعصاب بعض المواطنين كما تنهار الأسواق أمام الإشاعات. فكان القرار- الذي جاء لأسباب منطقية - بمثابة إعلان "الطوارئ الغذائية" في أذهان الكثيرين، فهرعوا إلى الجزارين وكأنها آخر فرصة لوداع اللحم قبل قيام الساعة.
الغريب في الأمر أن من كان، إلى الأمس القريب، يدعو إلى التقشف ويشتكي غلاء المعيشة، أصبح اليوم زبونا دائما لدى الجزار، وربما هو أول من يسأل: مازال عندك داك الغنميالزوين؟ وكأن الشراء صار فرضا عينيا، أو عملا نضاليا، أو ردا حضاريا على قرار الدولة. أما الثلاجات، فقد تحولت إلى مخازن استراتيجية، تمتلئ على عجل بقطع لحم تكدس كما تكدس الوثائق السرية في الأرشيف الوطني، في انتظار يوم الحاجة.
لكن ما لا يدركه كثيرون، هو أن هذا اللهاث الجماعي لا يطعم فقط جيوب الجزارين، بل يغري كذلك "الذئاب" التي تنتظر مثل هذه الفرص: الذبيحة السرية، أسواق اللحوم المجهولة المصدر، وشبكات الاتجار بأجساد الحمير والبغال التي يعاد تدويرها ببراعة لتصبح لحما شهيا على مائدة المواطن. كلما ارتفع الطلب وقلت المراقبة، ازدهرت السوق السوداء وتفتحت شهية منعدمي الضمير.
المشكلة ليست فقط في بعض التجار، بل أيضا في سلوك شعبي فيه كثير من التسرع والهلع. لقد نجحنا من حيث لا ندري في رفع الأسعار بأيدينا، وتكريس الندرة بأنفسنا، وتغذية الفوضى الجماعية برغباتنا التي تتنكر لأي منطق أو تعاطف مع من لا يستطيعون مجاراة هذا الجنون اللحمي.
في المقابل، لا يمكن إعفاء السلطات من المسؤولية. فقرار إلغاء الذبيحة، على وجاهته، لم ترافقه حملات تواصلية فعالة توضح الأسباب وتطمئن الناس. ترك الفراغ، كما هو معروف، يملأ بالتأويلات، والشائعات، والمبالغات... وهو ما حدث بالضبط. لا سياسات استباقية، لا توجيه للسوق، ولا حماية حقيقية للفئات الهشة. فقط، صمت رسمي... يقابله لا وعي شعبي.
وفي خضم هذا كله، يبقى الفقير كالمعتاد، يتأمل المشهد من بعيد، يتساءل إن كان سيذوق اللحم يوما... أم أن نصيبه منه أصبح محصورا في رائحة الشواء المتسربة من نوافذ الجيران، أو في نشرات الأخبار التي تبشر بارتفاع جديد في الأسعار.
قد يقول البعض: ومن أنت حتى تنتقد هذا السلوك؟ وأنا أقول ببساطة: مجرد مواطن قرر أن لا يصطف في الطابور، لا حبا في الصيام، ولكن كرها في الغباء الجماعي. مواطن يتمنى أن يعامل اللحم كما يعامل العقل... بالقليل من التبصر، وكثير من الحكمة.
بلقم: عبدالعزيز الخبشيإذا كان نجاح التنظيم الأمني واللوجستي لمباراة المغرب وتونس الودية في فاس قد بعث برسالة واضحة إلى الداخل...
بقلم: يوسف وفقير منذ حوالي شهر، صدر قرار ملكي استثنائي، واضح في لغته، نبيل في غايته، واقعي في توقيته: لا أضحية لعيد الأضحى هذا...
اشترك في النشرة الإخبارية لتصلك التحديثات الجديدة يوميًا
كن أول من يعلق على هذا المقال
احصل على آخر الأخبار والتحديثات مباشرة إلى بريدك الإلكتروني