بقلم: يوسف وفقير
منذ حوالي شهر، صدر قرار ملكي استثنائي، واضح في لغته، نبيل في غايته، واقعي في توقيته: لا أضحية لعيد الأضحى هذا العام. القرار جاء في سياق دقيق تعيشه المملكة، حيث تراجعت أعداد القطيع الوطني بفعل سنوات من الجفاف، وتنامت التحديات الاقتصادية التي أثقلت كاهل الأسر والفلاحين معا. كان من الطبيعي أن تأتي خطوة كهذه من أعلى سلطة في البلاد، تضع نصب أعينها مصلحة الشعب، واستدامة الثروة الحيوانية، وضمان الأمن الغذائي.
لم يكن في القرار ما يثير الجدل في ظاهره، فقد استقبل بترحيب من شرائح واسعة من المغاربة، ممن رأوا فيه خطوة مسؤولة وشجاعة. لكنه، وكما يحدث كثيرا، ما يلبث أن يواجه بجدار من السلوك الشعبي المتناقض، الذي لا يعكس مستوى الوعي الذي يقتضيه ظرف استثنائي كهذا.
ما أثارني شخصيا، خلال زيارة عابرة لسوق أسبوعي، لم يكن الخرفان المعروضة للبيع، بل طبيعة النقاشات المتداولة حولها. المغاربة، وهم يعلمون مسبقا بعدم وجود أضحية عيد هذا العام، عادوا إلى السوق وكأن شيئا لم يكن. تفاوتت المبررات بين من قرر أن يؤخر الذبح إلى ما بعد العيد، ومن قال إنه "يشتريها للعقيقة"، أو "للوليمة"، أو حتى "نية في الذبح"... وهو ما يثير سؤالا صريحا ومؤلما: هل نحن فعلا مجتمع يستوعب قرارات قيادته؟ أم أننا نعيش حالة إنكار جماعي حين تطلب منا تضحيات بسيطة في سبيل مستقبل أفضل؟
من منظور شرعي، المذهب المالكي، الذي تتبناه المملكة، يلزم المسلمين بعدم مخالفة أوامر ولي الأمر، خاصة إن صدرت لمصلحة عامة واضحة. والأكثر من ذلك، أن الذبح بنية العقيقة أو غيرها، في ظرفية صدرت فيها توجيهات رسمية بالحفاظ على القطيعالوطني، ليس مجرد مخالفة شرعية أو قانونية، بل فعل يضرب مباشرة في عمق فلسفة القرار الملكي: تأجيل الذبح ليس حلا، وتغيير النية لا يلغي النتيجة.
من يشتري الأضحية اليوم، يسهم في استنزاف القطيع الذي نريد له أن يتعافى. ومن يبرر ذلك بـ"نية أخرى" يغلف السلوك بخطاب ديني مفرغ من مضمونه الحقيقي، ويمنح نفسه رخصة خاصة فوق مصلحة وطنية عامة.
الواقع أن هذا السلوك لم يعد مجرد تصرف فردي يغتفر. حين يتحول إلى ظاهرة، فإنه يشكل تهديدا حقيقيا، ليس فقط للقطيع الوطني، بل لمصداقية القرار ذاته. وهنا يأتي دور السلطات، التي لا يكفي أن تبلغ القرارات، بل يجب أن تسهر على احترامها وتفعيلها. لأن القرار الذي لا يحترم شعبيا، يفقد بريقه، مهما كانت حكمته.
والأمر لا يحتاج إلى مقاربة زجرية فقط، بل إلى خطاب تواصلي جديد. نحتاج أن نقول للمغاربة بوضوح: التضحية الحقيقية هذا العام، ليست في ذبح خروف، بل في احترام قرار وطني حكيم. والأجر ليس في سفك الدم، بل في صون نعمة بدأت تشح.
لقد مررنا من قبل بسنوات عصيبة، ونعلم أن القطيع الوطني لا يسترجع بقرار، بل بتضحيات متراكمة. وإن لم نستوعب ذلك الآن، فمتى؟ هل ننتظر أن تتحول أضاحينا إلى كماليات مستوردة بأسعار خيالية؟ أم نعيد الثقة في قراراتنا السيادية ونتصرف كمجتمع واع، لا كأفراد يتصرفون بمنطق "نفسي ومن بعدي الطوفان"؟
باختصار، لا يمكن أن نحلم بعيد أضحى قوي في السنوات المقبلة، إذا لم نضح هذا العام… لا بالخروف، بل بعادة، بقرار عاطفي، بتصرف أناني. فالأضحية الكبرى الآن هي أن نكف عن الذبح، وأن نمنح قطيعنا فرصة الحياة.
بلقم: عبدالعزيز الخبشيإذا كان نجاح التنظيم الأمني واللوجستي لمباراة المغرب وتونس الودية في فاس قد بعث برسالة واضحة إلى الداخل...
بقلم: يوسف وفقير يبدو أن اللحم، في هذه الأيام، لم يعد مجرد مادة غذائية تطهى على مهل فوق نار هادئة، بل تحول إلى كنز...
اشترك في النشرة الإخبارية لتصلك التحديثات الجديدة يوميًا
كن أول من يعلق على هذا المقال
احصل على آخر الأخبار والتحديثات مباشرة إلى بريدك الإلكتروني