بقلم: يوسف وفقير
وأنت تتجوّل في أحد شوارع المدينة، متوجها إلى السوق أو الحلاق "أولا غير دايز"، قد تظن أن أقصى ما ستسمعه هو ضجيج السيارات أو نداء الباعة المتجولين. غير أن المفاجأة تأتيك من شباب واقفين عند زوايا الزقاق، يرمقون المارة بنظرات ثابتة ويقذفون إليهم عبارة واحدة: "واش ناضي؟".
عبارة تبدو للوهلة الأولى عادية، كأنها تحية أو سؤال عن الحال، لكنها في الواقع كلمة مرور لسوق سوداء تدار في وضح النهار. فـ"واش ناضي" ليست سوى عرض مباشر: هل تريد شراء مخدرات؟ الشباب لا يجدون غضاضة في أن يُعلنوا ذلك أمام الملأ، وأصبح راس الدرب هو سوقهم الآمن، يبيعون فيه كل شيء بلا خوف.
هنا يطرح السؤال نفسه: هل يظن هؤلاء الشباب أن كل من يمر من الشارع مدمن بالضرورة؟ عندهم القاعدة بسيطة: كلشي مبلي، وكلشي باغي "يتقدى"، منطق أعوج يشبه من يعتقد أن كل من يمر من هناك مدمن وبغا يتقدى لمجرد أنه وجد حفنة من زبناءه هناك.
أما المصيبة الثانية فهي في الأسلوب. فحتى لو سلّمنا -جدلا- أن "الزبناء" موجودون بكثرة، هل بهكذا طريقة يستقطب الناس؟ أيعقل أن يعرضوا على كل رجل عابر ليسألوه بوقاحة: "واش ناضي؟". هذه ليست تجارة، بل هي قلة حياء وبسالة "بمعناها الدارج"ما بعدها بسالة، أن يتحول الفضاء العام إلى "بازار" للممنوعات، يُعرض فيه السم كما تُعرض الفواكه الجافة في المقاهي.
وهنا نصل إلى السؤال الأخطر: أين هو الأمن والسلطة؟ إن كانت لا تعلم بما يجري، فالمصيبة كبيرة، لأن ما يحدث عاين باين أمام أعين الجميع. وإن كانت تعلم فالمصيبة أعظم، لأننا أمام تواطؤ غير معلن، يترك شبابا في عمر الزهور يتدحرجون من الاستهلاك إلى الترويج.
المشهد برمّته ليس سوى مرآة لمستقبل جيل ضائع. شباب يقفون في قارعة الطريق لا للدراسة ولا للعمل، بل لبيع المخدرات وكأنها "حلوى" بأبخس الأثمان. وأمام هذا الواقع، يُطرح السؤال المؤلم: أين المدرسة؟ أين الأسرة؟ أين الدولة؟ ...
• المدرسة التي عجزت عن غرس الأمل في قلوبهم، فاكتفت بتلقين محفوظات لا تطعم خبزا
• الأسرة التي استسلمت لموجة العجز، وفضّلت أن تُغمض عينيها وتقول : "الله يهدي" ولدي.
• الدولة التي لم توفّر شغلا ولا كرامة، لكنها وفّرت الشارع فضاء مفتوحا للبطالة والجريمة.
المعادلة واضحة: حين يُترك الشباب بين كماشة البطالة وقلة التربية وانعدام الأفق، فإن "واش ناضي" تصبح الحل الأسهل. ولأن الفراغ قاتل، فقد وجدوا فيه مهنة بديلة: بائعو الأوهام.
لكن، هل يكفي أن نلعن الظلام؟ الحقيقة أن ما يحدث ليس مجرد انحراف فردي، بل هو نتيجة سياسات تراكمت عقودا. سياسات جعلت الشاب المغربي يحلم بالهجرة كأنه يحلم بالجنة، أو يبحث عن المخدر كأنه يبحث عن الخلاص. وهنا المفارقة: الدولة تتحدث عن "المستقبل الرقمي" و"التحول الأخضر"، بينما شبابها يتحولون إلى بائعين متجولين لـ"الشيرا".في الفضاء العام وفي وضح النهار.
ولكي نكون منصفين، لا يكفي أن نُحمِّل الشباب وحدهم وزر الانحراف، فهم في نهاية المطاف أبناء بيئة مهترئة. من أين سيأتي الوعي إذا كان الإعلام يبيع لهم الوهم صباح مساء، والمدرسة تلقّنهم دروسا محفوظة كأنها وصفات قديمة، والحيّ يعرض عليهم "المخدرات بالتقسيط" قبل أن يعرض عليهم فرصة عمل؟ إننا أمام ماكينة متكاملة لإنتاج العبث، تبدأ من التربية وتنتهي عند السياسات العمومية، وبينهما ضاعت أحلام جيل كامل.
عبارة "واش ناضي؟" ليست مجرد كلمة سرّ لبيع المخدرات، بل هي صرخة جيل بأكمله. جيل يقول للدولة والمجتمع والأسرة: نحن هنا، في الشارع، بلا تعليم ولا عمل ولا أفق... واش ناضي؟
بقلم: منصف الادريسي الخمليشيإنه ذلك الرجل الذي خرج من المدرسة التقليدية العريقة، عبد اللطيف الجواهري، الذي أسميه بـ«المحافظ على التيار...
وردة احرون-إيموزار كندر في المغرب اليوم، لا يُطرح سؤال الشباب بوصفه فئة عمرية فقط، بل كقضية سياسية واجتماعية وثقافية تمس...
اشترك في النشرة الإخبارية لتصلك التحديثات الجديدة يوميًا
كن أول من يعلق على هذا المقال
احصل على آخر الأخبار والتحديثات مباشرة إلى بريدك الإلكتروني